تحذيرات أممية من أن الحرب في اليمن قد تتسبب في أسوأ مجاعة عرفتها البشرية منذ 100 عام وجاء اختيار الرئيس دونالد ترامب للسعودية كعنوان زيارته الخارجية الأولى بعد دخوله المكتب البيضوي ليعيد ثقة السعوديين في شراكتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد سنوات من عدم المبالاة التي وسمت نظرة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما للشرق الأوسط. وبنزول طيارة الرئيس الأمريكي في الرياض بدأ عهد جديد في العلاقات الأمريكية السعودية لم تعد السعودية تتعرض فيه لانتقادات من البيت الأبيض بسبب ملف حقوق الإنسان المتعلق بحرب اليمن. وبدلاً من عقود الأسلحة الأمريكية للسعوديين التي حظرها أوباما وقع ترامب أكبر صفقة في التاريخ الأمريكي مع السعوديين وبلغت قيمتها 350 مليار دولار، ولتتحول سياسة البيت الأبيض من لا مبالاة تجاه الشرق الأوسط إلى عدم اكتراث بالتحذيرات الأممية من التبعات الكارثية للحرب وعزم أميركي – وسعودي أيضاً- على المضي في معركة عض أصابع مع طهران على أرض اليمن. ثم جاءت قضية اختفاء خاشقجي وبات كثيرون يتساءلون عن مصير الدعم الأمريكي غير المشروط لسياسات بن سلمان في حرب آخر ما أنتجته هو أسوأ مجاعة خلال قرن كامل.
الأمر نفسه ينطبق على الاتجاه الذي قد تتطور فيه الأزمة الخليجية، والتي سُلط الضوء عليها مجدداً من خلال التعاطي الإعلامي مع قضية الصحفي السعودي المختفي. وبرأي غريش ليس من المنتظر أن تتغير السياسة السعودية في ما يتعلق بمقاطعة قطر، وليس من المتوقع أن تتغير سياسة واشنطن تجاه هذه الأزمة لأن "قطر بالأساس ليست بديلاً عن السعودية بالنسبة للسياسة الأمريكية"، حسب قوله. إلى متى ستبقى الأجواء الإيجابية بين واشنطن والرياض؟ تخوفات إسرائيلية ومستقبل مبهم لـ "الناتو العربي" إذاً التوافق الأمريكي السعودي والمشاريع السعودية في المنطقة المدعومة من واشنطن كلها تدور في فلك العداء مع طهران وسعي الرياض إلى تقويض نفوذها في المنطقة. المشروع الأكثر طموحاً، الذي كانت واشنطن تسعى لإرسائه، هو ما سماه ترامب بـ"الناتو العربي". وهو بمثابة تحالف استراتيجي للشرق الأوسط من المفترض أن يقف سداً في وجه العدوان الإيراني والإرهاب والتطرف في المنطقة حسب تصريحات البيت الأبيض. وعلى الرغم من أن الفكرة ليست وليدة عهد ترامب، وإنما ظهرت مع بداية الربيع العربي، ثم أعيد طرحها مرة أخرى في 2015 وأهملت بسبب انسحاب السياسة الأمريكية من الشرق الأوسط في الولاية الثانية لأوباما، ولكن قدوم ترامب إلى الحكم وتحسين الشراكة الدفاعية بين واشنطن والرياض أعاد طرح فكرة تأسيس هذا الحلف، الذي يبدو أنه سيدخل مرة أخرى في طور التعثر كواحدة من أهم التبعات السلبية لقضية اختفاء خاشقجي.