وأما الآخرون فإنهم جعلوا ذلك من لات يليت ، كما قال رؤبة بن العجاج: وليلة ذات ندى سريت ولم يلتني عن سراها ليت والصواب من القراءة عندنا في ذلك ، ما عليه قراء المدينة والكوفة ( لا يلتكم) بغير ألف ولا همز ، على لغة من قال: لات يليت ، لعلتين ؛ إحداهما: إجماع الحجة من القراء عليها. والثانية: أنها في المصحف بغير ألف ، ولا تسقط الهمزة في مثل هذا الموضع ، لأنها ساكنة ، والهمزة إذا سكنت ثبتت ، كما يقال: [ ص: 318] تأمرون وتأكلون ، وإنما تسقط إذا سكن ما قبلها ، ولا يحمل حرف في القرآن إذا أتى بلغة على آخر جاء بلغة خلافها إذا كانت اللغتان معروفتين في كلام العرب. وقد ذكرنا أن ألت ولات لغتان معروفتان من كلامهم. وقوله ( إن الله غفور رحيم) يقول - تعالى ذكره -: إن الله ذو عفو أيها الأعراب لمن أطاعه ، وتاب إليه من سالف ذنوبه ، فأطيعوه ، وانتهوا إلى أمره ونهيه ، يغفر لكم ذنوبكم ، رحيم بخلقه التائبين إليه أن يعاقبهم بعد توبتهم من ذنوبهم على ما تابوا منه ، فتوبوا إليه يرحمكم. كما حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن الله غفور رحيم) غفور للذنوب الكثيرة أو الكبيرة ، شك يزيد ، رحيم بعباده.
وهذا المقام إذا حققه العبد سهل عليه الوصول إلى المقام الأول. ولهذا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم تعليلا للأول فقال: " فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وفي بعض ألفاظ الحديث: " فإنك إلا تكن تراه فإنه يراك" فإذا تحقق في عبادته بأن الله تعالى يراه ويطلع على سره وعلانيته وباطنه وظاهره ولا يخفى عليه شيء من أمره فحينئذ يسهل عليه الانتقال إلى المقام الثاني وهو دوام استشعار قرب الله تعالى من عبده ومعيته حتى كأنه يراه. نسأل الله من فضله العظيم. يراجع معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي ( 2 / 20 – 33 ، 326 – 328) ( المجموع الثمين 1 / 49 ، 53) ( جامع العلوم والحكم 1/ 106).
والله أعلى وأعلم ، ولي عودة بإذن الله..